الخميس، 6 يناير 2011

كلنا مضطهدون..


العدل قيمة عظيمة تستقيم معها الحياة، وقد حرص عليها الإسلام، وأمرنا بها فى كل مقام ومقال ..

فللعدل ميزان لاينبغى أن يختل فى أى وقت، وتحت أى ظرف فذلك يؤدى لثقل فى الصدور، وبغض فى النفوس

فقد حرص الإسلام على تعزيز الوحدة الاجتماعية داخل الوطن الواحد، وأكد على ضرورة تماسكها،فمن سمات المجتمع الإسلامي إقراره للتعايش وفق منهجه السمح في تعامله مع المخالفين، والمسالمة مع المسالمين، وقد كان هذا الأمر من أولويات رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تأسيسه الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، ليقيم نظاماً أمنياً مشتركاً مع الديانات الأخرى ،حيث لم يكن المجتمع مقصورا على المسلمين ، لذلك وضع الإسلام قواعد وأحكاماً تنظم علاقة المسلمين معهم، وتنظم التعايش بينهم وبين المسلمين في المجتمعات الإسلامية في مختلف الأزمان ، وعلى مر العصور.

لقد أكد الإسلام التعايش الاجتماعي الآمن من أصحاب الديانات الأخرى المقيمين في كنف الدولة الإسلامية، وأوصى رسول الله بحفظ حقوق أهل الكتاب، ورعايتها، وصيانة دمائهم وأموالهم، وعدم الاعتداء عليهم، فقد قال رسول الله : من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً.

إن ظلم المسلم لغير المسلم لن يعود إلا بخراب على المجتمع بأكمله (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) وكلنا يعى ذلك جيدا

لذا فإن مرتكبى حادث تفجير كنيسة الإسكندرية ليسوا بمسلمين ولا ينتمون لأى دين بأى صلة ، فالإرهاب ليس له دين ولا مبادئ

إن روح الإسلام السمحة، وعدالته القائمة، هى للبشرية عامة وليس للمسلمين خاصة ، لنشر الرحمة، وإقامة العدل، وشيوع الأمن ،وتوطيد العلاقات الإنسانية.

فالإسلام لا يحكم بانزواء جميع العناصر التي تعيش داخل مجتمعه ممن لا تدين به، بل يدعم العلاقة بينها وبين المسلمين، ويحترم المواثيق، ويفى بالعهود، ولا يقبل الظلم ، وينهى عن الغدر
فالله عز وجل الذى قال (فسيحوا فى الأرض) و(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) هو من جعل موضوع التعامل مع غير المسلمين جزءاً لا يتجزأ من شريعته المتكاملة، وهو نظام لا ينبغى الخروج عليه طالما ارتضى كل منا الإسلام دينا، ولم يترك الإسلام العلاقة مع غير المسلمين لتقلبات المصالح والأهواء، ولنزعات التعصب العرقي أو الديني.

لقد تقبل الإسلام وجود الآخر، وأبرز أهمية التعامل معه، ووضع القواعد التي تضمن حق المسلمين في المجتمع، وحق الآخرين الذين يعايشونهم، دائماً أو بصفة مؤقتة، ولم يكن ذلك موجودا فى الإمبراطوريات القديمة قبل الإسلام.

كما أن القواعد التي وضعها الإسلام لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم، تتميز باليسر والسماحة ، وحفظ الحقوق، وتجنب الظلم لمجرد الاختلاف في الدين، فهناك حد أدنى يجب الحفاظ عليه، حتى في حالة العداء أو القتال، وهو الكرامة التي وهبها الله لبني آدم جميعا ، كما قال تعالى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )

وسواء ما نسب للإمام ابن تيمية صحيحا أو باطلا "بأن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة" فالمنطق يقر هذا المبدأ لأن العدل أساس الحكم، والمواطن المسلم أو غير المسلم لا يريد من الحاكم إلا أن يحكم بالعدل، ويوفر له الأمن،والذى ينص عليهما ديننا العظيم

فالمواطن ونظيره سواء كان مسلما أو مسيحيا لا يريد كلاهما من الآخر غير المعاملة الحسنة، طالما يعيشان فى سلام، وأمن، وعدل يتحقق للطرفين

فالاضهاد الذى يزعمه الأقباط يعانى منه أيضا المسلمون فالكل يعيش فى بوتقة الظلم، وافتقاد العدل والأمن طالما قانون الطوارئ باقٍ يروع الآمنين ، ويهتك حرماتهم

ومع ذلك فالاضطهاد الذى يلاقيه المسلمون لم يره الأقباط بعد...
فهل حوكم الأقباط من قبل فى محكمة عسكرية؟
هل صودرت أموالهم ؟
هل انطوت الزنانين على مئات منهم ظلما وتعسفا لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله؟

فإخواننا الأقباط يمارسون شعائرهم فى كنائسهم، ويحتفلون بأعيادهم،وبالرغم من عزم الحكومة على تركيب كاميرات مراقبة فى المساجد قيل انها نوعا من الأمن ، لم نسمع عن مثل هذا الإقدام حتى يكون فعلا نوعا من الأمن بما أنهم يرون فئة مضطهدة تفتقد الأمن والأمان

الحادث جلل ، وخطير ويضعنا على شفا جرف هار ، إذا لم نعالجه بحكمة وروية، ولكن للأسف مع وجود تلك الأصوات وجدنا أن هناك من استغل الحادث لإشعال الفتنة ، مستخدما عبارات الاضطهاد والأقلية

وإذا ما سلمنا بمبدأ الاضطهاد، فمن يضهد الأقباط؟؟
هل هو المواطن المسلم!!
فالمسلم والقبطى تربطهما علاقة الجوار أو الصداقة أو الشراكة وحقوق كل هذا المعاملة الطيبة
فأى اضطهاد سيلاقيه الجار المسيحى من جار مسلم؟ وإن حدث ، فمن يرد هذا الظلم والجور؟
أليس القانون الذى هو غائبا فى هذا الوطن ؟ فإن الله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن
فالمسلم والقبطى مشاكلهما واحدة فى هذا الوطن وكلاهما يعانى من ضغط شديد واقعا عليه، للأسف ينفث عنه فى غير موضعه
ففى حادثة ابن والى مصر "محمد بن عمرو بن العاص" المعروفة التى ضرب فيها القبطى فاحتكم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، واقتص القبطى من محمد بن عمرو بن العاص

كان هذا هو رد فعل الخليفة أو "الحاكم" بلغة اليوم وهو إقامة العدل ، بل والعدالة الناجزة التى لا تسمح أن يتسرب لطالبها بعض من ظلم أو اضطهاد ، وسرعان ما أزالت فى صدر القبطى من ظلم ،وما فى نفسه من مرارة ، وكان درسا للمسلم بعدم الجور حتى وإن كان ذو سلطان
لو لم تكن العدالة الناجزة ...ألم يكن رد الفعل هو الشحن ومن ثم الانفجار؟
لذا كان دور الحاكم فى غاية الأهمية
احترم القبطى قوانين بلد مسلم فلجأ إلى الحاكم المسلم العادل ليرد الظلم عنه، ..لم يستقو بالخارج .. لم يشعل فتيل الفتنة، ويجمع الأقليات كما يسمونها، ويشكو الظلم والجور والاضطهاد،

وبالرغم من أن حادث الكنيسة من صنع الخارج.. إلا إننا سمحنا اليوم لهذه الأيدى أن تعبث ،وقد كانت بالأمس لا تجرؤ على ذلك، وهو برمته مسؤول فيه عدة أطراف:

*الحكومة التى بات القانون فيها غائبا وبالتالى ما يوفره هذا القانون من أمن وعدل ورد حقوق ورفع مظالم
*الكنيسة التى لا تحترم النظام القضائى، وباتت سلطة موازية لسلطة الدولة ، وتعدت دورها الدينى إلى دور سياسى أدى إلى تفاقم العديد من المشاكل
*بعض المتطرفين من المسلمين والأقباط خاصة فى الفترة الأخيرة الذى رأينا فيها تجاوزا من بعض رجال الدين الأقباط بكلام يمس المسلمين بل، ويمس سيادة الدولة المسلمة
*المعالجة الإعلامية والسياسية التى تعالج الحوادث بسطحية شديدة سواء بشعارات جوفاء، أو ترديد أغانى وطنية ،و تنفى عن الحكومة أى مسؤولية وتلقيها على الشعب

الخطر يحدق بنا جميعا مسلم وقبطى، والكل يغط فى نوم عميق، فمن باع الوطن ونهب ثرواته لن يضيره تقاتل أبنائه، ولا تفكك شرائحه، فدعونا ننجو جميعا من خطر يحدق بنا ، فلا عاصم لنا اليوم إلا أن نأوى إلى جبل الوحدة والترابط



وبالعدل تسير الأمور وتستقيم الحياة
فخيرحاكم يأمر بالمعروف ويقسط فى قضاه
ويعطى كل ذى حق حقه ويعلم ان للمظلوم رب فى علاه
وإياك وظلم العباد ..فدعوة المظلوم لا ترد فى سماه
فلا تؤاخذانى بما فعل السفيه بنا يامن يرانى فى علاه ولا أراه

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م