الاثنين، 17 يناير 2011

زين الهاربين...وموتٌ يهب الحياة




إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ...

وتحققت أبيات الشاعر التونسى أبى القاسم الشابى على يد شعبه ،وحظيت هذه الأيام بنشر لم تحظ به من قبل

ربما لأنها لم تثبت مصداقية أكثر من اليوم..فالناس قد ألفت الظلام، وأنست لليل، وتقلدت القيود، وكأنها سوار الحياة

اشتعل الأمل بداخلى بعد أن كاد يخبت ، وغبطت الشعب التونسى على تاريخه الذى صنعه بإرادته ، وتألمت على تاريخنا الذى طمسناه بأيدينا، وبتنا نتمسك بجغرافيتنا، فاختلط التاريخ بالجغرافيا، وانعدم الاثنان

كان بن على طاغية ، وتصور أنها ملك بلد بشعبها كظن كثير من الحكام العرب ، واحتكر ثرواتها، ونهب خيراتها، وخدر شعبها بوعود وشعارات "من أجلهم" وهى من أجل الكرسى لا غير

لم تنجح الممارسات القمعية الأمنية فى إصلاح قيد استمر قرابة ربع قرن وقد علاه الصدأ، وبلاه الرّين، ولكن مازال هناك من يظن ان بن على لم يحكم قبضته الأمنية بشكل جيد على الشعب
فآخرون يسّخرون النظام الأمنى بأكمله لحماية فرد من شعب.. وليس لحماية شعب

بعد 65 عاما من استقلال تونس عن فرنسا تمكنت من الفكاك من احتلال لم يتغير كثيرا عن الاحتلال الفرنسى، وهو احتلال الحزب الواحد والأسرة الحاكمة
وما بين 65 عاما و 75 عاما من جلاء الانجليز فى مصر لم يحدث غير مزيد من الاحتلال الوطنى

الفساد ...البطالة...وثالث الأثافى الجوع الذى انحصر فى رغيف الخبز، وليس صحن ثريد

فشخص جائع فى حالة بحث عن لقمة العيش ؛ فلا يجد عمل يسد به رمقه، ويصطدم بالفساد، والمحسوبية، والبيروقراطية فى كل مكان يذهب إليه ؛ فالثلاث مشكلات اجتمعوا فى معاناة يومية للمواطن العربى الذى يعانى من نظام جاثم على صدره منذ أكثر من ربع قرن

العدالة التى ينشدها الفرد، والعمل الذى يوفر له المسكن والمطعم، والكرامة التى تحققها له لدولة ...أظنها مطالب كل شعب أنهك من البحث عن لقمة العيش، وكممت أفواهه، ويعانى أغلبه من البطالة انها مطالب لن يختلف عليها شعب تونس أو ليبيا أو الجزائر أو مصرأو...

وبين شعب مصر وشعب تونس أجدنى أعقد تلك المقارنة، ليست بدعوى المحاكاة ؛ ولكن للبحث عن أوجه الاختلاف فى شعبين اتفقا فى أوجه شبه كثيرة

وأجدنى أتساءل هل هو اختلاف جينى أم اجتماعى أم ديموجرافى ؟

فالشعب المصرى شعب عاطفى .... لا يعرف الشماتة، ويظهر وجهه الحقيقى وقت الأزمات، فحزن لوفاة حفيد الريس وتعاطف مع الجد ودعا للأسرة ، وأرسل برقيات التعازى والمواساة، ودعا لها بطول العمر وبشر الدعاة للأسرة الحاكمة بجنة الخلد، بينما لم يتأثر الشعب التونسى بتوسلات بن على فى خطابه الأخير ..بعد أن كاد يذرف الدمع

الشعب المصرى يرضى بأقل القليل... لم يرض الشعب التونسى بوعود بن على بإقالة الحكومة وحرية الرأى، وغيرها من المطالب التى للأسف يصدقها شعب آخر كالشعب المصرى فيقبع المعتصمون من عمال وموظفين أياما مطالبين بحق مهضوم، أو مطالب مهدرة، وسرعان ما ينفض الاعتصام فى ظل وعد، أو ترضية تافهة ، وعلى الأكثر بضع جنيهات، أو علاوة استثنائية لن تدوم

الشعب المصرى يصدق الوعود ويحترم القيادات... فيصدق وعود فرص العمل، وسكن الشباب ،ويعد الخطابات والتصريحات "كلام رجالة" وينتظر التنفيذ حتى وان رحل الجيل، وتلاه آخر فكلام الرجالة لا ينزل الأرض أبدااا ..بينما لم يصدق الشعب التونسى وعود بن على فى خطابه بخفض الأسعار وحرية الصحافة ، وطالبه بالرحيل ...وقد كان

الشعب المصرى شعب فدائى ... انتفض الشعب التونسى من أجل مواطن أحرق نفسه ..ولم ينتفض المصريون من أجل آلاف احترقوا فى قطار الصعيد، أو غرقوا فى عبارات السلام، أو قتلوا فى أقسام الشرطة ومازال الشعب المصرى يقدم حياته قرابين للنظام والحكومة و"نموت نموت وتحيا الحكومة"

الشعب المصرى شعب "ابن نكتة".... بينما ترجم التونسيون غضبهم طيلة 23 عاما من الحكم فى ثورة شعبية...ينفث المصريون عن غضبهم بشكل ساخر هزلى ؛ فكم النكات السياسية التى خرجت طيلة ثلاثين عاما تفوق عدد القرارات السياسية، والمعتقلين وسجناء الرأى ،وشهداء النظام، فكل قرار له نكتة، وكل موقف له نكتة

الشعب المصرى أصيل ويصون العشرة.... لم يخمد تصريح بن على فى عدم ترشحه لفترة رئاسية أخرى فى 2014 الثورة بل كان مصرا على رحيل الرئيس.. بينما الشعب المصرى كان على الرحب والسعة بفترة سادسة، وبتصريح الرئيس مبارك إنه باقٍ لآخر نفس

الشعب المصرى قوى البنيان والنظام... منذ سنوات ويعلن السياسيون أن النظام المصرى يترنح، ونتعجب جميعنا لقدرة النظام المصرى على البقاء مترنحا كل هذه الفترة.. فى حين لم يمر النظام التونسى بهذه المرحلة بل ترنحه لم يتعد أسابيع ثم كانت النتيجة الطبيعية للترنح ألا وهى السقوط

الشعب المصرى شعب مؤدب ومحترم.... فلم تخرج مظاهرات تنادى بسقوط الرئيس فعلى الأكثر تهتف بسقوط وزير أو رئيس الوزراء بينما لم يرض الشعب التونسى غير رحيل بن على، ويبدو أن الشعب التونسى برغم رقته وحلمه عرف أن ثورات التغيير لا تعرف المجاملة والحياء و...


وحتى لا أطيل على القارئ أترك له حصر مزايا الشعب المصرى التى قد يراها غيرنا عيوبا..

وأخيرا ..

* تغلى المراجل من أكثر من ربع قرن فى كثير من البلدان العربية أما آن الآوان لتنفجر ؟؟

* أعتقد أن الثورة الشعبية فى تونس قد حققت مكاسب كبيرة بأقل عدد من الضحايا أو شهداء الحرية كما يجب أن نطلق عليهم ؛ فالثورات والتغيير لابد لهم من شهداء ..فلكم وهب الموت الحياة

* حتى لا تتحول ثورة 14يناير إلى نسخة مكررة من ثورة 23 يوليو لابد من غربلة المجتمع، والقضاء على أرجوزات النظام

* عارٌ على أى دولة تسمح باستضافة بن على الطاغية حتى ولو بدعوى الإنسانية ، وهى لن تعدو إلا شريكة فى هروب الطاغية من محاكمة لابد أن تلاحقه

* سرعان ما انفض ساركوزى عن زين الهاربين، ولم تنفعه فرنسا ولا غيرها، كما لن ينفع غيره أمريكا ، فإذا ثارت ثائرة الشعب ، وانكسر القيد فتوقعوا للمارد أن ينهض من سباته العميق، ويحول الجميع دون وثاقه مرة أخرى

* إذا لم يكن خالد سعيد أو سيد بلال أو غيرهما شرارة انطلاق لثورة قد تغير أرجاء المحروسة.. فانتظروا القادم، فإن النار من مستصغر الشرر

* بدأت الحرائق تشتعل فى أنحاء الوطن العربى ، ولكن يبدو أنها بردا وسلاما على الأنظمة الحاكمة

فكما قال بشار بن برد: لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
ونار لو نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد


بدأت مقالى بأبيات للشاعر التونسى، وأنهيه بأخرى للمصرى فاروق جويدة برغم أنه وجهها ل "بوش" وأراها مناسبة لكل طاغية

فاخلع ثيابكَ وارتحل
وارحل وعارك فى يديك
فالأرضُ كل الأرض ساخطةٌ عليك


ارحللللللللللللل ..... والمواصلات علينا

الخميس، 6 يناير 2011

كلنا مضطهدون..


العدل قيمة عظيمة تستقيم معها الحياة، وقد حرص عليها الإسلام، وأمرنا بها فى كل مقام ومقال ..

فللعدل ميزان لاينبغى أن يختل فى أى وقت، وتحت أى ظرف فذلك يؤدى لثقل فى الصدور، وبغض فى النفوس

فقد حرص الإسلام على تعزيز الوحدة الاجتماعية داخل الوطن الواحد، وأكد على ضرورة تماسكها،فمن سمات المجتمع الإسلامي إقراره للتعايش وفق منهجه السمح في تعامله مع المخالفين، والمسالمة مع المسالمين، وقد كان هذا الأمر من أولويات رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تأسيسه الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، ليقيم نظاماً أمنياً مشتركاً مع الديانات الأخرى ،حيث لم يكن المجتمع مقصورا على المسلمين ، لذلك وضع الإسلام قواعد وأحكاماً تنظم علاقة المسلمين معهم، وتنظم التعايش بينهم وبين المسلمين في المجتمعات الإسلامية في مختلف الأزمان ، وعلى مر العصور.

لقد أكد الإسلام التعايش الاجتماعي الآمن من أصحاب الديانات الأخرى المقيمين في كنف الدولة الإسلامية، وأوصى رسول الله بحفظ حقوق أهل الكتاب، ورعايتها، وصيانة دمائهم وأموالهم، وعدم الاعتداء عليهم، فقد قال رسول الله : من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً.

إن ظلم المسلم لغير المسلم لن يعود إلا بخراب على المجتمع بأكمله (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) وكلنا يعى ذلك جيدا

لذا فإن مرتكبى حادث تفجير كنيسة الإسكندرية ليسوا بمسلمين ولا ينتمون لأى دين بأى صلة ، فالإرهاب ليس له دين ولا مبادئ

إن روح الإسلام السمحة، وعدالته القائمة، هى للبشرية عامة وليس للمسلمين خاصة ، لنشر الرحمة، وإقامة العدل، وشيوع الأمن ،وتوطيد العلاقات الإنسانية.

فالإسلام لا يحكم بانزواء جميع العناصر التي تعيش داخل مجتمعه ممن لا تدين به، بل يدعم العلاقة بينها وبين المسلمين، ويحترم المواثيق، ويفى بالعهود، ولا يقبل الظلم ، وينهى عن الغدر
فالله عز وجل الذى قال (فسيحوا فى الأرض) و(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) هو من جعل موضوع التعامل مع غير المسلمين جزءاً لا يتجزأ من شريعته المتكاملة، وهو نظام لا ينبغى الخروج عليه طالما ارتضى كل منا الإسلام دينا، ولم يترك الإسلام العلاقة مع غير المسلمين لتقلبات المصالح والأهواء، ولنزعات التعصب العرقي أو الديني.

لقد تقبل الإسلام وجود الآخر، وأبرز أهمية التعامل معه، ووضع القواعد التي تضمن حق المسلمين في المجتمع، وحق الآخرين الذين يعايشونهم، دائماً أو بصفة مؤقتة، ولم يكن ذلك موجودا فى الإمبراطوريات القديمة قبل الإسلام.

كما أن القواعد التي وضعها الإسلام لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم، تتميز باليسر والسماحة ، وحفظ الحقوق، وتجنب الظلم لمجرد الاختلاف في الدين، فهناك حد أدنى يجب الحفاظ عليه، حتى في حالة العداء أو القتال، وهو الكرامة التي وهبها الله لبني آدم جميعا ، كما قال تعالى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )

وسواء ما نسب للإمام ابن تيمية صحيحا أو باطلا "بأن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة" فالمنطق يقر هذا المبدأ لأن العدل أساس الحكم، والمواطن المسلم أو غير المسلم لا يريد من الحاكم إلا أن يحكم بالعدل، ويوفر له الأمن،والذى ينص عليهما ديننا العظيم

فالمواطن ونظيره سواء كان مسلما أو مسيحيا لا يريد كلاهما من الآخر غير المعاملة الحسنة، طالما يعيشان فى سلام، وأمن، وعدل يتحقق للطرفين

فالاضهاد الذى يزعمه الأقباط يعانى منه أيضا المسلمون فالكل يعيش فى بوتقة الظلم، وافتقاد العدل والأمن طالما قانون الطوارئ باقٍ يروع الآمنين ، ويهتك حرماتهم

ومع ذلك فالاضطهاد الذى يلاقيه المسلمون لم يره الأقباط بعد...
فهل حوكم الأقباط من قبل فى محكمة عسكرية؟
هل صودرت أموالهم ؟
هل انطوت الزنانين على مئات منهم ظلما وتعسفا لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله؟

فإخواننا الأقباط يمارسون شعائرهم فى كنائسهم، ويحتفلون بأعيادهم،وبالرغم من عزم الحكومة على تركيب كاميرات مراقبة فى المساجد قيل انها نوعا من الأمن ، لم نسمع عن مثل هذا الإقدام حتى يكون فعلا نوعا من الأمن بما أنهم يرون فئة مضطهدة تفتقد الأمن والأمان

الحادث جلل ، وخطير ويضعنا على شفا جرف هار ، إذا لم نعالجه بحكمة وروية، ولكن للأسف مع وجود تلك الأصوات وجدنا أن هناك من استغل الحادث لإشعال الفتنة ، مستخدما عبارات الاضطهاد والأقلية

وإذا ما سلمنا بمبدأ الاضطهاد، فمن يضهد الأقباط؟؟
هل هو المواطن المسلم!!
فالمسلم والقبطى تربطهما علاقة الجوار أو الصداقة أو الشراكة وحقوق كل هذا المعاملة الطيبة
فأى اضطهاد سيلاقيه الجار المسيحى من جار مسلم؟ وإن حدث ، فمن يرد هذا الظلم والجور؟
أليس القانون الذى هو غائبا فى هذا الوطن ؟ فإن الله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن
فالمسلم والقبطى مشاكلهما واحدة فى هذا الوطن وكلاهما يعانى من ضغط شديد واقعا عليه، للأسف ينفث عنه فى غير موضعه
ففى حادثة ابن والى مصر "محمد بن عمرو بن العاص" المعروفة التى ضرب فيها القبطى فاحتكم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، واقتص القبطى من محمد بن عمرو بن العاص

كان هذا هو رد فعل الخليفة أو "الحاكم" بلغة اليوم وهو إقامة العدل ، بل والعدالة الناجزة التى لا تسمح أن يتسرب لطالبها بعض من ظلم أو اضطهاد ، وسرعان ما أزالت فى صدر القبطى من ظلم ،وما فى نفسه من مرارة ، وكان درسا للمسلم بعدم الجور حتى وإن كان ذو سلطان
لو لم تكن العدالة الناجزة ...ألم يكن رد الفعل هو الشحن ومن ثم الانفجار؟
لذا كان دور الحاكم فى غاية الأهمية
احترم القبطى قوانين بلد مسلم فلجأ إلى الحاكم المسلم العادل ليرد الظلم عنه، ..لم يستقو بالخارج .. لم يشعل فتيل الفتنة، ويجمع الأقليات كما يسمونها، ويشكو الظلم والجور والاضطهاد،

وبالرغم من أن حادث الكنيسة من صنع الخارج.. إلا إننا سمحنا اليوم لهذه الأيدى أن تعبث ،وقد كانت بالأمس لا تجرؤ على ذلك، وهو برمته مسؤول فيه عدة أطراف:

*الحكومة التى بات القانون فيها غائبا وبالتالى ما يوفره هذا القانون من أمن وعدل ورد حقوق ورفع مظالم
*الكنيسة التى لا تحترم النظام القضائى، وباتت سلطة موازية لسلطة الدولة ، وتعدت دورها الدينى إلى دور سياسى أدى إلى تفاقم العديد من المشاكل
*بعض المتطرفين من المسلمين والأقباط خاصة فى الفترة الأخيرة الذى رأينا فيها تجاوزا من بعض رجال الدين الأقباط بكلام يمس المسلمين بل، ويمس سيادة الدولة المسلمة
*المعالجة الإعلامية والسياسية التى تعالج الحوادث بسطحية شديدة سواء بشعارات جوفاء، أو ترديد أغانى وطنية ،و تنفى عن الحكومة أى مسؤولية وتلقيها على الشعب

الخطر يحدق بنا جميعا مسلم وقبطى، والكل يغط فى نوم عميق، فمن باع الوطن ونهب ثرواته لن يضيره تقاتل أبنائه، ولا تفكك شرائحه، فدعونا ننجو جميعا من خطر يحدق بنا ، فلا عاصم لنا اليوم إلا أن نأوى إلى جبل الوحدة والترابط



وبالعدل تسير الأمور وتستقيم الحياة
فخيرحاكم يأمر بالمعروف ويقسط فى قضاه
ويعطى كل ذى حق حقه ويعلم ان للمظلوم رب فى علاه
وإياك وظلم العباد ..فدعوة المظلوم لا ترد فى سماه
فلا تؤاخذانى بما فعل السفيه بنا يامن يرانى فى علاه ولا أراه

السبت، 1 يناير 2011

قضايا فنية

2-رؤية الإخوان للفن


من كان بلا رؤية للحياة بمناحيها فهو لا يبصر..بل يسير مع الظلام نحو اللاهدف


لم ترق رؤية الإخوان للفن عموما لمن يريدون للساحة أن تكون بلا قيم، ومبادئ، وأخلاق ، فعابوا علي الإخوان حصرهم للفن بما انضبط مع الأخلاق الإسلامية ،وزعموا أن الفن لا ضوابط له، وأنه من العلوم المعيارية التي تنهض بالمشاعر


و مازالت تصر الدراما على أن تصور الإسلاميين بصورة تعكس وجهة نظر النظام، وليس وجهة نظر الناس، أو حتى الفنانين أنفسهم


فبينما يرى الإخوان الفن أنه نوعا من الإبداع الراقى الذى يهدف إلى الإصلاح... يرى القائمون على الفن وجوب الفصل بين الفن، والقيم الأخلاقية مدعيين تقديم الواقع، وطرح المشاكل التى تحيط به

ولكن كيف يجمع الفن بين متناقضين؟

 
كيف يكون الفن عملا إصلاحيا وهو فى ذاته لايمت للصلاح فى شىء ..وكيف يدعو للفضيلة من خلال عمل سينمائى مقدما مشاهد فجّة

أما العاملين بالحقل الفنى فقد يقبلون على تنفيذ رؤى بعض المخرجين فى قناعة أو اضطرار ،ولكن ربما لو تواجد الدعم والعمل الجيد لرّحب من اقتنع .. وجرّب من اضطر ..وأقبل من أحجم

وبينما آمن الإخوان بأهمية الفن في عملية الإصلاح، ورأوا ضرورة أن تهتم الحكومات بتهذيب الفنون، واستخدامها ثقافيًّا وتهذيبيًّا وإصلاح شأنها، ومراقبة بالسينما والتمثيل مراقبة دقيقة، وتشجيع المؤلفين المسرحيين والسينمائيين على اختيار الموضوعات، وتأليف هيئة خاصة بذلك ..يرى المعارضون أن ترفع أى جهة رقابية يدها عن الفن مبررة ذلك بأنه قيد للإبداع..وما ذلك إلا سبيل للانفلات الأخلاقى

. يقول الإمام البنا فى رسالة "هل نحن قوم عمليون" رأى قوم أن يصلحوا من أخلاق الأمة عن طريق العلم والثقافة، ورأى آخرون أن يصلحوه عن طريق الأدب والفن، ورأى غيرهم أن يكون هذا الإصلاح عن طريق أساليب السياسة، وسلك غير هؤلاء طريق الرياضة، وكل أولئك أصابوا في تحديد معاني هذه الألفاظ أو أخطأوا، وسددوا أو تباعدوا، وليس هذا مجال النقد والتحديد، ولكن أريد أن أقول: إن الإخوان المسلمين رأوا أن أفعل الوسائل في إصلاح نفوس الأمم ..الدين ،ورأوا إلى جانب هذا أن الدين الإسلامي جمع محاسن كل هذه الوسائل وبعد عن مساويها، فاطمأنت إليه نفوسهم وانشرحت به صدورهم".


وهذا الكلام يدلل على رؤية الإخوان لأهمية الفن بشكل عملى لخدمة وإصلاح المجتمع

ففى الوقت الذي يعتبر كثير من الناس أن الفنون ليست سوى كماليات قد يمكن الاستغناء عنها، رأى الإخوان عكس ذلك تمامًا... فالفنون أنشطة إنسانية، واجتماعية لصيقة بحياة ، ومتطلباتهم وطموحاتهم

وتاريخ الإخوان فى حلبة الفن قديم يبدأ منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين، وقد شهدت الفترة تطورا فى البنية الإصلاحية للمجتمع والسياسة والدين كما شهدت هذه الفترة تطورا في علاقة الإخوان بالفن فقد أسس عبد الرحمن شقيق الشيخ حسن البنا لأول مسرح إسلامي عرف باسم "مسرح الإخوان المسلمين" الذي بدأه بتقديم أعمال عاطفية ورومانسية أولها مسرحية "جميل بثينة" التي تتناول إحدى أشهر القصص الغرامية في التاريخ العربي وكانت بقلم الأستاذ عبد الرحمن البنا شقيق الإمام حسن البنا

وتوالت أعمال مسرح الإخوان مثل بنت الإخشيد وغزوة بدر وسلسلة من المسرحيات التى أُطلق عليها "مسرحيات عامة" وأخرى "مسرحيات إسلامية"

كما كوّن الإمام حسن البنا علاقة طيبة بالفنانين الذين تيسّر له الوصول إليهم والتعامل معهم ، فقد كان يتعامل مع الفنانين بروح طيبة تركت أثراً طيباً عن دعوة الإخوان في نفوسهم ، سواء كانت العلاقة بلقاء عابر لا يفوته فيه غرس معنى من معاني الإسلام الحسنة ، أو بإقامة علاقة ود معه.
 
فقد قال الفنان أنور وجدى فى أحد اللقاءات بالإمام حسن البنا : طبعاً أنتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي كل يوم في حين أني والله أقرأ القرآن وأصلي كلما كان ذلك مستطاعاً

فقال له الإمام : يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عصاة بحكم عملكم ، فالتمثيل ليس حراماً في حد ذاته ، ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراماً ، وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمى للإسلام إذا عملتم على إنتاج أفلام ،أو مسرحيات تدعوا إلى مكارم الأخلاق ، بل إنكم تكونون أكثر قدرة على نشر الدعوة الإسلامية من كثير الوعاظ والدعاة

والأستاذ سيد قطب إذ كان يسكن بجواره الفنان حسين صدقي ، وقد ذهب إليه يخبره أنه ينوي اعتزال التمثيل ، وتركه نهائياً ، فقال له سيد قطب : إنني أكتب عشرات المقالات ، وأخطب عشرات الخطب ، وبفيلم واحد تستطيع أن تنهي على ما فعلته أنا ، أو تقويه ، أنصحك أن تستمر ولكن بأفلام هادفة

أما الفنان عمر الشريف فهو يرى أن الإخوان لن يشكلوا أي تهديد للفن فهو يرى أنهم ليسوا معادين للفنون، ويؤكد أن أبرز قادتهم كانوا حريصين على متابعة الأعمال الفنية والسينمائية في فترة الخمسينيات".

وحول تخوف بعض النقاد على الحركة الفنية من الإخوان، قال الشريف "هذه ضجة مفتعلة، ومن يروجون لها لا يعرفون حقيقة فكر هذه الجماعة، وربما يكون وراءها مخاوف سياسية، لكن المؤكد أن وصولهم إلى البرلمان لن يشكل خطرا على الإبداع والفنون في مصر"
ومن هنا كان توضيح الإخوان لرؤيتهم فى الفن وتأييد أهل الفن فى تطبيق هذه الرؤية
وتتسق هذه الرؤية مع رغبة المشاهد فى وجود أعمال فنية هادفة..تجتمع حولها الأسرة دون خجل من مشاهد غير لائقة...أو تذهب لها دون تردد فى أنها ستلقى بقيّمها قبل نقودها

فالفن رسالة ..يؤمن به من كان له رسالة..ويطالب به أصحاب الرسالة
 
المصادر

رسائل الإمام الشهيد حسن البنا

البنا وتجربة الفن عصام تليمة

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م