الاثنين، 17 يناير 2011

زين الهاربين...وموتٌ يهب الحياة




إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ...

وتحققت أبيات الشاعر التونسى أبى القاسم الشابى على يد شعبه ،وحظيت هذه الأيام بنشر لم تحظ به من قبل

ربما لأنها لم تثبت مصداقية أكثر من اليوم..فالناس قد ألفت الظلام، وأنست لليل، وتقلدت القيود، وكأنها سوار الحياة

اشتعل الأمل بداخلى بعد أن كاد يخبت ، وغبطت الشعب التونسى على تاريخه الذى صنعه بإرادته ، وتألمت على تاريخنا الذى طمسناه بأيدينا، وبتنا نتمسك بجغرافيتنا، فاختلط التاريخ بالجغرافيا، وانعدم الاثنان

كان بن على طاغية ، وتصور أنها ملك بلد بشعبها كظن كثير من الحكام العرب ، واحتكر ثرواتها، ونهب خيراتها، وخدر شعبها بوعود وشعارات "من أجلهم" وهى من أجل الكرسى لا غير

لم تنجح الممارسات القمعية الأمنية فى إصلاح قيد استمر قرابة ربع قرن وقد علاه الصدأ، وبلاه الرّين، ولكن مازال هناك من يظن ان بن على لم يحكم قبضته الأمنية بشكل جيد على الشعب
فآخرون يسّخرون النظام الأمنى بأكمله لحماية فرد من شعب.. وليس لحماية شعب

بعد 65 عاما من استقلال تونس عن فرنسا تمكنت من الفكاك من احتلال لم يتغير كثيرا عن الاحتلال الفرنسى، وهو احتلال الحزب الواحد والأسرة الحاكمة
وما بين 65 عاما و 75 عاما من جلاء الانجليز فى مصر لم يحدث غير مزيد من الاحتلال الوطنى

الفساد ...البطالة...وثالث الأثافى الجوع الذى انحصر فى رغيف الخبز، وليس صحن ثريد

فشخص جائع فى حالة بحث عن لقمة العيش ؛ فلا يجد عمل يسد به رمقه، ويصطدم بالفساد، والمحسوبية، والبيروقراطية فى كل مكان يذهب إليه ؛ فالثلاث مشكلات اجتمعوا فى معاناة يومية للمواطن العربى الذى يعانى من نظام جاثم على صدره منذ أكثر من ربع قرن

العدالة التى ينشدها الفرد، والعمل الذى يوفر له المسكن والمطعم، والكرامة التى تحققها له لدولة ...أظنها مطالب كل شعب أنهك من البحث عن لقمة العيش، وكممت أفواهه، ويعانى أغلبه من البطالة انها مطالب لن يختلف عليها شعب تونس أو ليبيا أو الجزائر أو مصرأو...

وبين شعب مصر وشعب تونس أجدنى أعقد تلك المقارنة، ليست بدعوى المحاكاة ؛ ولكن للبحث عن أوجه الاختلاف فى شعبين اتفقا فى أوجه شبه كثيرة

وأجدنى أتساءل هل هو اختلاف جينى أم اجتماعى أم ديموجرافى ؟

فالشعب المصرى شعب عاطفى .... لا يعرف الشماتة، ويظهر وجهه الحقيقى وقت الأزمات، فحزن لوفاة حفيد الريس وتعاطف مع الجد ودعا للأسرة ، وأرسل برقيات التعازى والمواساة، ودعا لها بطول العمر وبشر الدعاة للأسرة الحاكمة بجنة الخلد، بينما لم يتأثر الشعب التونسى بتوسلات بن على فى خطابه الأخير ..بعد أن كاد يذرف الدمع

الشعب المصرى يرضى بأقل القليل... لم يرض الشعب التونسى بوعود بن على بإقالة الحكومة وحرية الرأى، وغيرها من المطالب التى للأسف يصدقها شعب آخر كالشعب المصرى فيقبع المعتصمون من عمال وموظفين أياما مطالبين بحق مهضوم، أو مطالب مهدرة، وسرعان ما ينفض الاعتصام فى ظل وعد، أو ترضية تافهة ، وعلى الأكثر بضع جنيهات، أو علاوة استثنائية لن تدوم

الشعب المصرى يصدق الوعود ويحترم القيادات... فيصدق وعود فرص العمل، وسكن الشباب ،ويعد الخطابات والتصريحات "كلام رجالة" وينتظر التنفيذ حتى وان رحل الجيل، وتلاه آخر فكلام الرجالة لا ينزل الأرض أبدااا ..بينما لم يصدق الشعب التونسى وعود بن على فى خطابه بخفض الأسعار وحرية الصحافة ، وطالبه بالرحيل ...وقد كان

الشعب المصرى شعب فدائى ... انتفض الشعب التونسى من أجل مواطن أحرق نفسه ..ولم ينتفض المصريون من أجل آلاف احترقوا فى قطار الصعيد، أو غرقوا فى عبارات السلام، أو قتلوا فى أقسام الشرطة ومازال الشعب المصرى يقدم حياته قرابين للنظام والحكومة و"نموت نموت وتحيا الحكومة"

الشعب المصرى شعب "ابن نكتة".... بينما ترجم التونسيون غضبهم طيلة 23 عاما من الحكم فى ثورة شعبية...ينفث المصريون عن غضبهم بشكل ساخر هزلى ؛ فكم النكات السياسية التى خرجت طيلة ثلاثين عاما تفوق عدد القرارات السياسية، والمعتقلين وسجناء الرأى ،وشهداء النظام، فكل قرار له نكتة، وكل موقف له نكتة

الشعب المصرى أصيل ويصون العشرة.... لم يخمد تصريح بن على فى عدم ترشحه لفترة رئاسية أخرى فى 2014 الثورة بل كان مصرا على رحيل الرئيس.. بينما الشعب المصرى كان على الرحب والسعة بفترة سادسة، وبتصريح الرئيس مبارك إنه باقٍ لآخر نفس

الشعب المصرى قوى البنيان والنظام... منذ سنوات ويعلن السياسيون أن النظام المصرى يترنح، ونتعجب جميعنا لقدرة النظام المصرى على البقاء مترنحا كل هذه الفترة.. فى حين لم يمر النظام التونسى بهذه المرحلة بل ترنحه لم يتعد أسابيع ثم كانت النتيجة الطبيعية للترنح ألا وهى السقوط

الشعب المصرى شعب مؤدب ومحترم.... فلم تخرج مظاهرات تنادى بسقوط الرئيس فعلى الأكثر تهتف بسقوط وزير أو رئيس الوزراء بينما لم يرض الشعب التونسى غير رحيل بن على، ويبدو أن الشعب التونسى برغم رقته وحلمه عرف أن ثورات التغيير لا تعرف المجاملة والحياء و...


وحتى لا أطيل على القارئ أترك له حصر مزايا الشعب المصرى التى قد يراها غيرنا عيوبا..

وأخيرا ..

* تغلى المراجل من أكثر من ربع قرن فى كثير من البلدان العربية أما آن الآوان لتنفجر ؟؟

* أعتقد أن الثورة الشعبية فى تونس قد حققت مكاسب كبيرة بأقل عدد من الضحايا أو شهداء الحرية كما يجب أن نطلق عليهم ؛ فالثورات والتغيير لابد لهم من شهداء ..فلكم وهب الموت الحياة

* حتى لا تتحول ثورة 14يناير إلى نسخة مكررة من ثورة 23 يوليو لابد من غربلة المجتمع، والقضاء على أرجوزات النظام

* عارٌ على أى دولة تسمح باستضافة بن على الطاغية حتى ولو بدعوى الإنسانية ، وهى لن تعدو إلا شريكة فى هروب الطاغية من محاكمة لابد أن تلاحقه

* سرعان ما انفض ساركوزى عن زين الهاربين، ولم تنفعه فرنسا ولا غيرها، كما لن ينفع غيره أمريكا ، فإذا ثارت ثائرة الشعب ، وانكسر القيد فتوقعوا للمارد أن ينهض من سباته العميق، ويحول الجميع دون وثاقه مرة أخرى

* إذا لم يكن خالد سعيد أو سيد بلال أو غيرهما شرارة انطلاق لثورة قد تغير أرجاء المحروسة.. فانتظروا القادم، فإن النار من مستصغر الشرر

* بدأت الحرائق تشتعل فى أنحاء الوطن العربى ، ولكن يبدو أنها بردا وسلاما على الأنظمة الحاكمة

فكما قال بشار بن برد: لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
ونار لو نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد


بدأت مقالى بأبيات للشاعر التونسى، وأنهيه بأخرى للمصرى فاروق جويدة برغم أنه وجهها ل "بوش" وأراها مناسبة لكل طاغية

فاخلع ثيابكَ وارتحل
وارحل وعارك فى يديك
فالأرضُ كل الأرض ساخطةٌ عليك


ارحللللللللللللل ..... والمواصلات علينا

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م