الأربعاء، 1 أبريل 2009

قشر البرتقال

قشر البرتقال


لم تكن تحب البرتقال كثيراً حين كانت طفلة.. كانت تحب اليوسفى أكثر لسهولة تقشيره أو الموز وربما أكلت التفاحة بقشرها

وعلى مر السنين أصبحت فى حالة وله بينها وبين البرتقال..تتنسم رائحته..وتعشق عصيره..وتحب تناوله كثيرا صيفاً وشتاءً
تستهل صباحها بكوب من عصير البرتقال بدون سكر..وحين تنتهى من إعداد الكوب ..تجمع القشر فتنظر إليه حزينة مبتسمة ..تلقى به فى سلة المهملات على مضض ..فهى تعتبر القشر ذا قيمة ربما فاقت قيمة البرتقال
نعم..لأن قيمته تمثل لها ذكريات الطفولة
لم تنس أبدا كيف كان البرتقال يجمع شمل الأسرة
فوالدها المنهمك فى عمله تجتمع معه بالكاد على مائدة الغذاء سريعا لينزل مرة أخرى لعمله الخاص ..وفقط يوم الخميس كان اجتماعهم الأسرى الدافئ
تأتى الأم بطبق كبير من الفاكهة يقشرها الأب للأطفال ويأتى دور البرتقال فيقشره الأب ثم يسأل الجميع ماذا تحبون أن أصنع لكم بقشر البرتقال؟

عروسة..ولد..شجرة...بنت
فينحت الأب كل ذلك ويناولهم جميعا ما طلبوا فسيعد الجميع به..رغم بساطة ما صنع..ويسعد الأب رغم بساطة الطلب
ربما أكلت البرتقال رغم أن الطبق به أنواع أخرى حتى تحصل على قشر خاص بها

ومرت الأيام واختفى اليوم الدافئ لانشغال الجميع فازداد حبها للبرتقال أو بالأحرى لهذا اليوم
جلست ذات يوم لتقشر لابنتها البرتقال..وسألتها كما كان يسألها أبوها، فلم تتلق إلا رداً ساخراً..فحاولت أن تفعل صنيع والدها ..وبعد دقائق رمت القشرة سائمة..وضحكت الابنة من سذاجة محاولتها وصنيعها
اختلف العصر..واختلفت مقتضياته

واختلف كل شىء ..حتى أبسط الأشياء

فلم تستطع طفلة الأمس أن تصنع صنيع والدها..ولم تسعد طفلة اليوم بما كان يسعد والدتها؟؟
تُرى لماذا؟؟؟
لم لا يسعد جيل اليوم بمَ كان يسعد به جيل الأمس؟

لِمَ لم تطق طفلة الأمس صبراً فى محاولة لإدخال لحظات سعيدة على طفلة اليوم ؟
ولماذا نفتقد لحظات بسيطة تدخل علينا جميعا السعادة؟
كانت طفلة الأمس هى أنا...

وكانت طفلة اليوم هى ابنتى..
كانت هذه خاطرتى فى هذا الشهر الذى اختاره العالم لتكريم الأم , وقد
تأملت العلاقة بين الأسرة فوجدتها اختلفت تمام الاختلاف
فالأب أصبح لا يرى أولاده حتى حول طبق من الفاكهة وليس حول طاولة الطعام
والأم أصبحت تعمل، وتربى، وتغذى، وربما انغمست فى أعمال أخرى، فأخفقت فى جميعها... وهى تظنه النجاح
قبل أن نحتفل بيوم الأم أو الطفل أوالأسرة علينا أن ننظر ماذا قدمنا لكل منهم من حقوق؟ وماذا عليهم من واجبات؟
فالاحتفال لا ننكره ، بل هو إحدى علامات التكريم التى حثنا عليها الإسلام ، ولكن الأمر أكبر من مجرد احتفال وهدية ويوم نتذكر فيه حقاً مهدر، أونرفع ظلماً واقع
علينا أن ننظر بعمق إلى العلاقة بين الأسرة فيوم يعبر فيه الابن عن حبه لوالدته لن يعيد الأواصر الأسرية التى فقدناها
ويوم نهتم فيه بالطفل لم يعد للطفولة حقوقها قبل براءتها ومعناها
تساءلت فى خاطرتى مؤنبة هذا الجيل وأنا معهم، فنحن قصرنا، وهم قد ازداد بعدهم النفسى عنا، فقدمنا لهم الكثير وهم يعدونه شحاً،
بلورنا العاطفة فى شكل مادة ، فانعدم لديهم قيمة الاثنين
وبالرغم من الثورة التكنولوجية التى ربما تسببت فى عزل أفراد الأسرة عن بعضهم ، إلا أننا لم نعد نسعد بالقليل ، ولا نحاول أن نجمل الواقع ليسعد الآخرون معنا
فأصبح الجميع غير راضين، وافتقدنا قيما عظيمة لن تعوضها التكنولوجيا
فالحاسوب لا يفيض حنانا على ابن اعتكف أمامه فى حجرته ، والهاتف لن يكون صديقا لابنة افتقدت والدتها طيلة يوم عملها ، وطاولة الطعام
اعتلاها الغبار حيث حل "الدليفرى" مقامها، وحجرة المعيشة باتت باردة فكل فرد فى عالمه أو مخدعه .. لا يجتمع الجميع حتى لاحتساء الشاى أو مشاهدة التلفاز
أصبح تواجدنا سطحياً فى حياة أبنائنا، وأصبح تواجد أبنائنا ثانوياً فى حياتنا
إنها الحقيقة القاسية التى سوف تزداد قسوة إذا لم نقف وقفة طويلة لنرأب الصدع، ونرتق الثوب
إن العاطفة التى تمثلت فى شىء بسيط جمعنا تطل كل حين برائحة زكية كالشجرة الطيبة التى تؤتى أكلها كل حين كانت صادقة فظلت تنثر عبيرها حتى اليوم
فما زلت أذوب شوقا..وعشقاً ل قشر البرتقال ...

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م