الخميس، 28 يوليو 2011

السوشى


منذ سنتين أو ثلاث شاهدت برامج دعائية ووثائقية عن السوشى، ولمن لا يعرفه فهو أكلة من السمك النيئ ابتدعتها اليابان

كان أحد هذه البرامج فى إطار تبادل الثقافات، أو كنوع من الثقافة التعريفية بين اليابان وفرنسا فى مهرجان كبير اشترك البلدان فيه بأمهر الطهاة ليقدموا طعاما فرنسيا وآخر يابانيا

وظللت أتابع تاريخ هذا السوشى ومسيرته خاصة بعدما علمت بمكونه، وقد عجبت من إصرار اليابان على إقناع العالم بأكمله بالسوشى رغم أنه غير شهى على الإطلاق.. فهو سمك نيئ مغلف بنوع من الطحالب يؤكل مع الأرز الذى يضاف إليه الخل لقتل الميكروبات الموجودة بالسمك

ولم أتوقع أبدا نجاح السوشى وصدارته على الموائد الفخمة ، ولكن يبدو أن الإيمان بهدف مهما كانت دوافعه يدفع صاحبه للنجاح.. إن لم يكن التميز

استماتت دول شرق أسيا وعلى رأسهم اليابان فى نشر ثقافتها علاوة على الصناعة والتجارة ، وقد نجحت ..وأصبح السوشى طعاما مشهورا تتبارى المطاعم فى تقديمه ، ويُقدم الزبائن على تناوله ، وأعتقد أن إقبالهم بدعوى التحضر والتماشى مع طعام العصر العالمى.. وقد تجدهم يبتلعون حسرتهم مع "سوشيهم " حتى لا يُتهموا بالتخلف

لم تكتف اليابان والصين بأنهما أصبحا عملاقى الصناعة، وأصبحت الصين تورد لنا حتى حلوى الأطفال..إلا إنهما يصران على أن نستبدل طعامنا بالسوشى الكريه، وحتى وإن لم نستسغ طعمه فأخذوا يعددون لنا فوائده التى يمكن أن تكون موجودة فى نفس السمك المطهو

ولا يختلف فرض اليابان للسوشى عن فرض الولايات المتحدة الأمريكية للحلوى الشهيرة "الآبل باى" فطيرة التفاح و التى لا ترقى لأقل صنف حلوى لدينا، ولكنه تفكير اقتصادى لتصريف إنتاج أمريكا الأول من التفاح وتواجد قسرى لأمريكا وثقافتها ولو على ...طاولة الطعام

ورغم أننى لا أتيه زهوا بالحضارة الفرعونية كما يفعل البعض، ويتحدث عنها راكنا لها، ناسيا الحاضر، متجاهلا المستقبل.. إلا أن حتى الثقافة الفرعونية تحدثت عن الطعام بشكل كان أكثر حضارة من يومنا هذا
فمثلا تصور الثقافة الفرعونية "حابي أبو الأرباب"؛ في هيئة رجل ذي بطن ممتلئة ويطلى باللون الأسود أو الأزرق، ويرمز إلى الخصب الذي منحه النيل لمصر

كما كان حابي يصور حاملا دواجن، وخضراوات وفاكهة؛ إلى جانب سعفة نخيل، رمزا للسنين، ومع ذلك فلم نجد مثلا مطعما يضع صورة حابى فى رمز، أو إشارة لحضارتنا العريقة

وما دعانى للكتابة عن السوشى هو خبر قرأته منذ فترة عن تصدير إسرائيل للطعمية على أساس أنها أكلة إسرائيلية.
لم تكتف إسرائيل باغتصاب الأرض، ونهب الوطن.. بل تسرق التراث، وتنسب التاريخ لنفسها، تبحث عن أى ثقافة لها فلا تجد غير العنف والإرهاب، تبحث عن أى تراث فلا تجد غير العدوان ، فلا تستحى فى أن تنسب تراث حتى ولو بسيط لنفسها

وما يزيد هذا الاستفزاز هو صمت صاحب الحق، فلم نتحرك ولو حتى بإعلان الغضب، أو الشجب عندما تنهب الحقوق.. بل وبكل تسامح أو تساهل نفرط فى النفيس والرخيص ..فيم صنعناه..وفيم صنعه السابقون

لم تنهض جهة ولا مسؤول ولا شيف ولا ذواقة ليعلن... اتركوا تراثنا.. فلم يتبق لنا شيئا

برغم بساطة خبر سرقة الطعمية.. إلا أن مدلولها كبير

فعلى المستوى البسيط

لم ينتفض فرد بسيط ليقول.. إن الطعمية أكلة مصرية أتناولها منذ خمسين عاما، وربما أكثر من مرة فى اليوم حتى شكلت جسدى، وحفرت ملامحى

لم يعترض مصرى من 80 مليون على أشهر أكلة شعبية فى مصر، من جانب الوطنية حتى ينفى عن نفسه عارا بأنه يتناول يوميا أكلة إسرائيلية

اليابان تعقد المهرجانات وتعلن فى المحافل عن السوشى حتى تجعل لنفسها معلما فى كل مجال، ونحن نفرط فى تراثنا ومعالمنا وحقوقنا

لماذا تحاول أن تصنع لنفسها تراثا، ونتخلى نحن عن أى تراث، بل واليوم نجد من يدعو للتفريط فى حقوق شعب على مدار سنين بدعوى التسامح وغيرها من المصطلحات التى ليس لها غير مترادف السذاجة

المكان التى تتصدره اليابان على الخارطة الدولية اليوم لم تنتزعه إلا عن تصميم، وعمل، ووعى...والمكانة التى تخلت عنها مصر من قبل.. وتحاول اليوم استعادتها لن تتم إلا بنفس التصميم، والعمل، والوعى

البون شاسع بين من يصر على أن يصنع لنفس مكانا وكيانا، ومن يفرط فى كيانه، ومكانه

الدافع الذى يجعل اليابان تصمم على أن تقنع العالم كله بالسوشى هو ما جعلها ..اليابان
وهو ما جعل أمريكا.. القوة العظمى
و غيابه هو ما جعلنا نصمت على سرقة إسرائيل لأكلة الطعمية واستباحتها لسرقة كل تراث، وأرض وثقافة.. مما جعل مصر بكل حضارتها ترتد عن مكانتها، وتتخلى عن صدارتها
وهو نفسه ما جعل هذا الكائن السرطانى يتقدم مزاحما الدول الكبرى

على كل الأصعدة نحن نفرط فى تراثنا، حضارتنا، ثقافتنا، نستبدل الغث بالثمين

نتخلى عن تاريخ ونستورد واقعاً ممن لا يملكون أى حضارة

كمن باع سنينا بيومٍ ليس له غد

كان فكرة السوشى ،وفطيرة التفاح الأميركية هى اختزال لفكرة فرض الثقافة والتغلغل التراثى، وإصرار الدول الكبرى لفرض نفسها ، وإثبات تواجدها

فعندما يُطمس التاريخ
ويُسرق التراث
ويُمزق الماضى
ويُموّه الحاضر

فماذا ننتظر من المستقبل؟؟

لكى نبنى مستقبل.. لابد أن نقرأ الماضى.. ونكتب الحاضر على أروقة التاريخ

(هذا حتى لا ننسى التاريخ إذا ما وقعنا من ذاكرته)

الخميس، 14 يوليو 2011

لقرحهم أشد من قرحكم



ما من وجع أكثر من وجع الفؤاد

ما من ألم أشد من ألم الفراق

ما من فقد أقسى من فقد العزيز

إن الحزن عندما تفقد عزيزا لفالق كبدك .. ويكون أشد عندما يكون هذا العزيز هو ولدك

و مرارة الفقد لا يزيلها الشهد، غصة فى الحلق تدوم، وثقل على كاهل مهموم

إن مصاب أهالى الشهداء لهو قرح لن يندمل إلا بقصاص يطببه ، وقاض عادل يعالجه

ف الحياة التى يهبها القصاص هى الماء الذى يخمد ألسنة نيران تأكل فى قلب كل مكلوم، وتلهب صدر كل مظلوم

الحياة التى تعنى الاستقرار والأمن الذى به تعلو هتافات من لم يفقد، ولم يشعر بلوعة الفراق

الحياة التى تعيد للمُثخن روحه ،وتوقف للجرح قيحه

تستوقفنى الروعة والجمال فى قوله تعالى ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ،وترجون من الله مالاترجون)

فالحياة التى قدمها الشهيد راضياً بل ساعياً ، هى نفس الحياة التى يحرص عليها الجانى.. ويصير فى ألم الرعب والفزع من فقدها

والاختلاف هو قيمة البضاعة النفيسة التى يقدمها الأول، وينقذ بها ملايين آخرين... ويحرص الآخر عليها رغم وضاعتها، فيقتل الملايين ليحافظ عليها

إن أهل كل شهيد وجريح لا ينبغى أن يتركوا النار تأكل قلبهم ، وهو أمر رغما عنهم، و ليعلموا أن النار التى تلسعهم لهى تقض مضجع الجانى، وتؤرق مجلسه، وتفزع ممشاه

ف الأمن الذى جعل سيدنا عمر بن الخطاب ينام تحت شجرة هو الأمن الذى حرم منه الضابط القاتل ... وقد لا ينعم به حتى بين حرسه وسلاحه

ف الجانى الذى لا ينام الا وسلاحه تحت وسادته.. لهو فى قرح أشد من قرح المجنى عليه
و الظالم الذى قد يتخلص من حياته عندما يلفظه كرسيه… لهو فى مرض أشد إيلاما من جرح المصاب
و القاتل الذى يحمل سلاحا ليقتل به أبناء وطنه قد يصوب هذا السلاح لرأسه عندما يُسلب منه ، أو يقضى بقية حياته مكتئباً فى عزلة عن الناس

وأقول لكل من فقد شهيداً أو صار جريحاً
لا تفزع ولا تجزع

ألم يقل وقوله الحق (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله)

إن الضابط القاتل الذى يخفى هويته واسمه ويعيش فى ثكنة لهو فى مصاب وألم ،فيعانى فقده الأمن والأمان،و يسكن فيه الفزع من الانتقام، ويعيش فى كهف الخوف حتى ولو كان بقصر مشيد

يتعاطف الناس مع المجنى عليه مما يخفف من مصابه، ويصبوا جام غضبهم على الجانى مما يزيد من مشاعر الكراهية والحقد تجاههم؛ فيقع صريعا بين الندم والرغبة فى الانتقام ممن يوجهون له اللوم وبين ساديته

إنه عذاب قد يفوق عذاب أهالى الشهداء

البون شاسع بين قرح الجانى، والمجنى عليهم، أوبين القاتل والضحية

ولكن هذا يتحمله نيلا للأجر و الثواب... وذاك لا يطيقه فيتضاعف عليه الألم، ويتقيح القرح

فهذا يحرص على التمكين ليفسد فى الأرض وليس لديه دافعا لتحمل الألم ، وذاك يبتغى النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة، فلا يحرص على حياته ؛ فيقدمها راضيا، أو يتحمل إصابته لأن الدافع يستحق


لا أقلل من حجم المعاناة على الإطلاق، وأعلم إنها نار لن يخمدها إلا القصاص، ولكن عدل رب هذا الكون جل وعلا شأنه


فإلى أهل كل شهيد، وكل مصاب

طببوا جرحكم..
وضمدوا قرحكم..
وكفكفوا دمعكم
فإن مصابهم لهو أشد من مصابكم
فإن كنتم تألمون فإنهم مثلكم
ومن يدرى عظم أجركم
إن نزف جرحكم ..
فغدا ستُشفى قلوبكم
من يشفى غير ربكم
فله ارفعوا أكفكم
يقتص لشهدائكم
ولعنته على عدوكم
ف بين يديه لقاؤكم

طاب منامكم
ولا نامت أعين الجبناء

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م