قضايا فنية -1
"السينما النظيفة"
هل الفن حلال أم حرام؟
هناك إشكالية بين الفن والفنانين
فالفن بخصوصيته بما فيه من إبداع ورقى بالتـأكيد ليس حراماً
ولكن بعمومه وشموله بأهله من الفنانين والفنانات الذين قد يرتكبون أفعالا محرمة تحت مظلة الفن أصبح حراماً
فالفن إناء به ماء رائق قد يضيف له البعض روح الزهر؛ فيصبح مفعماً بالعطر، وقد يضيف له آخرون ترابا فيصير وحلاً
ولذا كان من المنطقى ألا نطلق الحلال أو الحرام على الفن بل نطلق على ما يقدمه هذا الفن من فضيلة أو رذيلة
ومن هنا نشأ مصطلح السينما النظيفة، وهو مصطلح روجت له الصحافة الفنية والإعلام الفني والنقدي في المجلات والبرامج الفنية ، و بدأ استخدامه في وسط السينما المصرية في أواخر التسعينات من القرن العشرين، بحيث تناسب الأفلام جميع أفراد الأسرة.
وصاريطلق على موجة الأفلام التي يقوم ببطولتها النجوم الجدد من الشباب في مصر، والمقصود به السينما الخالية من المشاهد الخارجة، واللقطات الخادشة للحياء التي عجت بها أفلام السبعينيات والثمانينيات حتى ظهرت موجة الأفلام التي تخاطب الأسرة بالأساس، وتعتبرها جمهورها الأهم بعيدا عن المراهقين الذين تقدم لهم نوعية أخرى من الأفلام السينمائية التي تعتمد على المناظر أكثر من المضمون ...
ومصطلح السينما النظيفة قد يحمل معان أكثر منطقية من (سينما ممنوع اللمس) وهى سينما الأسرة...السينما الهادفة...سينما احترام الفنان والُمشاهد
ونتيجة لنمو التيار الديني فى الشارع المصرى، والذي تجسد في اعتزال العديد من الفنانات المصريات، وارتدائهم الحجاب ثم عودة البعض منهم في شكل ملتزم مع الإعلان عن رغبتهم في الاستمرار في التمثيل والالتزام بما يمليه هذا الشكل والاتجاه الجديد
وقد شهدت الساحة الفنية في الآونة الأخيرة إعلان العديد من الفنانات الشابات عن رفضهن القيام بأدوار تتضمن ارتداء ملابس عارية ،أو مشاهد ساخنة حتى تلك التي يقال إنها موظفة فنية أو إنها تأتي ضمن السياق الطبيعي للعمل الفني سواء كان مسلسلا تليفزيونيا أو فيلما سينمائيا ، وبررت أكثر من فنانة ذلك بأنه من الصعب عليها أن يراها زوجها أو ابنها على الشاشة في تلك المشاهد ، فيما برر بعضهن ذلك الرفض بأن المجتمع أصبح محافظاً وينظر بدونية وشك تجاه من يقمن بتلك الأدوار، فالفنانة التى ترفض مشاهد العرى، وخلافه بالطبع تحوز على احترام المشاهد, فقد احترمت نفسها وجسدها والمشاهد الذى يراها بين أسرته
وقد تدعمت تلك المواقف التي اعتبرها البعض مقدمة لظهور " سينما نظيفة " مع إعلان عدة ممثلات شابات بشكل مفاجئ اعتزال الفن وارتداء الحجاب ، وأرجع معظمهن ذلك إلى فساد المناخ والعلاقات داخل الوسط الفني .
ومصطلح السينما النظيفة بالرغم من ارتياح الأسر المصرية له إلا أنه لم يرُق لبعض العاملين فى المجال السينمائى من مخرجين ونقاد وفنانين كالمخرج خالد يوسف الذى يرى أن الواقعية تستلزم منه المشاهد الإباحية التى يزج بها فى أفلامه كما يتهم صانعى مفهوم السينما النظيفة بأنهم لا يفهمون صناعة السينما
وتهكم البعض بان مصطلح النظافة يعنى الخلو من الدنس.. وهذا ما يتنافى مع ما يقدمونه من مشاهد لايمكن الاستغناء عنها فى العمل الفنى مستشهدين بتاريخ السينما الطويل وأن ما يطالب به البعض ليس إلا (سينما ممنوع اللمس) ، وأضافوا معترضين أن السينما لابد ألا يحكمها أى معايير أخلاقية حتى لا تتحول إلى وعظ
بالرغم من إعراض الفنانات على التعامل مع المخرجة إيناس الدغيدى وإحجام المشاهدين عن مشاهدة أفلامها خوفاً من الفكر الجرئ الذى تطرحه مدعمة إياه بمشاهد خارجة، إلا إنها مازالت تعارض مصطلح السينما النظيفة مفهوما وضمناً رافضة أن تقدم للمشاهد ما يريده هو "على غرار السياسيين بما يدعون أن الشعب لم ينضج سياسياً بعد" فعلى إيناس الدغيدى أن تستمر فيما تقدمه من إسفاف بدعوى الفن حتى نتقبله ؛ لأننا لم تنضج فنياً بعد
فالشعب إلى الآن لا يعى السياسة و الفن ولا يتستطيع تقرير مصلحته أو حتى يضع هو المعايير الأخلاقية التى تناسبه، وينتظر من الحزب الوطنى أن يقرر له مستقبله السياسى، ومن إيناس الدغيدى أن تحدد له ذوقه الفنى بعيدا عن أى معايير أخلاقية
فهل هذا احترام لعقلية المشاهد كما تدعى و ترغمه على رؤية وجهة نظرها هى فقط، رافضه ما تنادى به الأسرة والمجتمع
ولو كان الأمر حقا كما يقولون... لما نجحت السينما الإيرانية عالميا ..
واستجاب كثير من الفنانين المؤيدين إما اقتناعاً بمفهوم السينما النظيفة وخجلهم من آداء المشاهد الساخنة أمام أسرهم، وإما نزولا على رغبة الجمهور واحتراما لها
يقول الفنان عبد العزيز مخيون فى إحدى الندوات
إن اليهود عدونا اللدود الآن قد انتبه إلي أهميه الفن مثلما وعووا تماما إلي أهميه البنوك، فاليهود يصدرون لنا فن هدام يحميهم هم ويقويهم ويذهب بفكر شبابنا إلي التخلف، بينما يوجهون فنهم في بلادهم لتربيه الشباب بناء علي فكرهم
إن الشباب الموجود الآن علي الساحة لا يستطيع أن يحمل السلاح ويحارب عدوه في حاله الاعتداء علي البلاد ، لأن الشباب الآن قد فقد الانتماء أو إنه علي مشارف فقد الانتماء ، بعدما سادت المؤسسة الإعلامية مشاهد عري
يوجد إعلام هادف وفن هادف ولكن أهم ما يواجهه هو التمويل وشن هجوما حاداً على مظاهر الفن الهابط في مصر وعدم اتفاقه مع الواقع المصري وحقيقة الشارع وعدم ارتباطه بمشاكل الشباب والتفاني في حلها
ويُقدم كثير من الفنانين على نوعية أفلام السينما النظيفة لإرضاء رغبة الجمهور فى مشاهدة فن راقٍ ، فالجمهور يستطيع أن يُسير السينما والفن عموما بإقباله على السمين، ومقاطعته للغث
والمنطق التجارى يفرض أن نشاهد ما نرغبه طالما أننا ندفع أموالاً ، ومن يستنكر أو يرفض السينما النظيفة عليه ألا يطالبنا بدفع تذكره ليفرض علينا فكره وعلينا أن نقاطعه حتى لا نساعده بنشر هذا الفكر
وتقول الفنانة المعتزلة شادية فى إحدى المجلات
ودعت 55 عاما من حياتى على قبر الرسول
هذا النجاح الذي يراه الناس "منقطع النظير" يسبب لي ألماً منقطع النظير .
طوال حياتي ... لم أجن غير الآلام والريبة والجراح على المستوى الفني!!
التوبة ليست تحطيماً ولا تخريباً للحياة الدنيا .. بل هي التعمير الحقيقي لها
ومن فنانى الجيل الشباب يقول أحمد السقا
أرى انه من غير اللائق جرح المشاهدين بلقطات تخدش الحياء تحت أي مبرر خاصة أن البدائل متاحة فهناك الكثير من الرموز الموحية التي تنقل معاني معينة بلا خرق لقيمنا ... فأنا أضع نفسي مكان المشاهد وأرفض أن أقدم لقطة تغضب ابني ياسين عندما يشاهدها في أي وقت..الناس تحبنا وتعتبرنا قدوة فلماذا لا نكون قدوة حسنة ؟
أما ريهام عبد الغفور
في قناعتى الخاصة أن الفن يمكن أن يقدم دون اللجوء إلى الملابس العارية والمشاهد الساخنة خاصة وان الجمهور نفسه لم يعد يقبل على مثل هذه النوعية من الأفلام بدليل فشل معظمها لاعتمادها فى دعايتها على المشاهد المثيرة لجذب الجمهور.
.
وأعلن الفنان الشاب أحمد عز فى أحد البرامج الحوارية رفضه للتعاون مع المخرجة إيناس الدغيدى وعد تقديم أفلام تحتوى على مشاهد ساخنة مخافة أن يخسر شريحة كبيرة من الجمهور يرفض تلك الأفلام
ولا يقبل الفنان كريم عبد العزيز أن يجرح عين المشاهد بمشاهد غير لائقة
ويُقدم كثير من الفنانين على نوعية أفلام السينما النظيفة لإرضاء رغبة الجمهور فى مشاهدة فن راقٍ ، فالجمهور يستطيع أن يُسير السينما والفن عموما بإقباله على السمين ومقاطعته للغث
والمنطق التجارى يفرض أن نشاهد ما نرغبه طالما أننا ندفع أموالاً ، ومن يستنكر أو يرفض السينما النظيفة عليه ألا يطالبنا بدفع تذكره ليفرض علينا فكره، وعلينا أن نقاطعه حتى لا نساعده بنشر هذا الفكر واستثمار الفن يجب أن يكون بما يرغبه المشاهد
كان هذا هو رأى أهل الفن من الفنانين ممن يحترمون أنفسهم وجمهورهم..
عبروا عن رفضهم لما يرفضه الدين والعرف والمجتمع ، يُعربون عن رغبتهم فى تقديم ما يريده الجمهور
فهل لنا أن نفرض ما نريده ، ولا نستسلم لما لا نقبله
0 التعليقات:
إرسال تعليق