السبت، 25 ديسمبر 2010

اذهب وربِّ كلباً



عندما ينفصل الزوجان فى الأفلام الأمريكية، ويعانى الزوج الوحدة ومن ثم الاكتئاب؛ فيذهب لطبيب أمراض نفسية، ويسرد له معاناته مع الوحدة وافتقاد الأسرة فينصحه "اذهب ورب كلبا"

وتتكرر النصيحة من أخصائيين نفسانيين، أو أطباء فى معظم الأفلام الاجتماعية التى يعانى أحد أبطالها الوحدة والاكتئاب

وهنا نجد أن الكلب شيئ هام وأساسي فى الأسرة الأمريكية ، وينال قدرا أكثر أهمية حينما يعيش فردا ذكرا أو أثنى وحيدا

فالسيدة العجوز تتكئ على عصاها ؛ لتعد للكلب إفطاره ،والرجل يخرج فى الصباح، ليس لعمله ،ولا لأصدقائه حيث انفض الكل من حوله ؛ ولكن لينزه كلبه

إنه الآخر الذى يدعوهم للحياة، وينتظر عطائهم ؛ ليشعروا أن هناك من ينتظرهم فعليهم أن يتشبثوا بحياتهم التى كثيرا ما نجدهم يتخلصون منهم بسبب الوحدة والاكتئاب

فالمسؤولية قد نعدها ثقيلة، ونحلم باليوم الذى يأتى لنتخلص منها ونعيش بلا أعباء ولا مسؤوليات، ولكن الأشد ثقلا على النفس قبل الجسد هو الإحساس بالفراغ والوحدة، أن تشعر أن ليس هناك أحد يهتم بك أو تهتم به، لا تشكل قيمة أو أهمية فى حياة أى شخص، لاتنتظر أحد ،ولا أحدا ينتظرك

إنه الموت الذى يرتدى رداء الحياة

روت صديقة لى بأن السيدة التى تساعدها فى أعمال المنزل والتى طلقت من زوجها ؛ لأنها لم تنجب وتقطن فى عشوائية تفعل فعلا تتعجب صديقتى له، وهى أنها تستأجرابنة أى أسرة فقيرة لمدة سنوات فتعيش معها ،وتربيها حتى تطلب أسرة الطفلة التى صارت صبية ابنتهم فتعطيها لهم، وتكررالسيدة الفعل مع طفلة أخرى

فقلت لها إن هذه السيدة لابد أن تشعر بأنها تعيش من أجل شخص ما ينتظرها..تقدم له فتحيا، و تعطى له فتسعد لسعادته مرة، وتسعد بعطائها أخرى، فعقل السيدة البسيط هداها إلى نوع من العطاء يحقق لها الحياة.. رغم فاقتها الشديدة ؛ ولكنه إكسيرالحياة

ولو كانت قد نالت قدرا من الوعى ؛ لعرفت طريقاً للمؤسسات الخيرية ودور الأيتام التى قد تجعلها تشعر بقيمتها لأشخاص عدة بدلا من واحد فقط

فلنتخيل لو أن هذه السيدة التى حرمت من الأمومة فتركها زوجها، وبالتالى حرمت من الأسرة فإذا ما أتى عليها الصباح فلمن تقوم؟ ولماذا تعمل؟ وربما تحدثها نفسها من يريدنى؟ ولماذا أعيش؟

فأحيانا المسؤولية التى نتملص نحن منها يبحث عنها غيرنا ؛ ليشعر أنه يحيا من أجل شخص، وأن هناك شخصا ينتظره ويكون مسؤولا عنه

فعقلها البسيط هداها لتلك الفكرة التى قد نتألم لها ؛ ولكنها تسعد بها وتسعد طفلة فقيرة بين كُثر قد لا تنال عُشر الاهتمام الذى ستناله من هذه السيدة ،وتخفف العبء من على أسرة تؤجر ابنتهم لتطعم الآخرين

لم اقتنع بفعلة هذه السيدة ولكننى تعاطفت بشدة معها.. بل ومع الطرفين الآخرين

ووجدت أننا نتملل من نعم كثير مثل فرص العطاء التى نعتبرها مسؤوليات، و التى يبحث عنها آخرون، ويدفعون فيها مالا ليحصلون عليها

ووجدت أننا لم نحتاج أبدا لكلب ليؤنس وحدتنا، فنجعله قضيتنا وأمرنا وهمنا ؛ حتى نستطيع أن نكمل مسيرة الحياة ،فديننا العظيم يدفعنا دفعا لقضايا عدة نحيا من أجلها بل ويدعونا لكى نساعد الآخرين ليحيوا هم أيضا

فيدعونا لنبر أهلنا، ونصل رحمنا ، ونتواصل مع جيراننا، ونرأف بكبارنا ، ونرحم حيواننا، ونحسن إلى إخواننا من أهل الكتاب

بل وجعلنا كالجسد الواحد فى التراحم والتعاطف، وهذا يملى علينا واجبات تصل بنا إلى هذا البنيان القوى،والتشبيه البليغ ، فأى حياة هذه التى نحياها من أجل الغير ، وفى الحقيقة هى من أجلنا أيضا لأن كل هذا العطاء سيكون له مردود علينا لكى نستمر. ونعطى ..ونسعد

إن قيمة العطاء لا تمثل الحياة للطرف الآخر.. ولكنها تمثل قمة الحياة لنا

فقيمتك كإنسان تعلو بعطائك ..وقيمتك للآخر تعلو عنده بعطائك أيضا.. وقيمتك عند الله تفوق السابقتين إذا ما أخلصت النية

أحيانا نعتقد أننا سنسعد أو نحيا حياة أكثر سعادة بعطاء من حولنا، ولكن سنجد فى عطائنا سعادة تفوق سعادتنا عندما نتلقى

فبالرغم أننا والحمد لله لا نحتاج لكلب أو هرة أو أى حيوان نربيه فيؤنس وحدتنا إلا أننا لنا فى كل كبد رطبة أجر

فالكلب الذى كان يلهث غفر الله لمن سقاه

والهرة التى حبستها صاحبتها دخلت فيها النار

يقولون...على قدر عطائك يفتقدك الآخرون

وأقول ..على قدر عطائك ستكسب ذاتك، وتسعد نفسك

فما أجمل القيمة التى تكسبك نفسك والآخر، وتسعدك والآخر، وتمنحكما الدنيا وتهبكما الآخرة

فعطاء اليد يسمو بالنفس وبالروح
ولسان بجميل الكلم يطبب ألم وجروح
ففى السماء لكل منفق ومعط ثواب يلوح
وفى الأرض قلوب تحفك وبالود تفوح

الخميس، 9 ديسمبر 2010

على هامش الهجرة..

وتظل هجرة القلوب قبل هجرة الأجساد لزاما
فالحق أحق أن يتبع، ولو مكث الباطل أزمانا
فهجرة فى سبيله أحب ممن يصوم الشهر قواما
وفى درس الهجرة عبر، وإن فى طريق نجاحه أعوانا
فإن للهجرة عبقاً..ولتاريخها مجدا..وللتضحية عنوانا

ويظل درس الهجرة على مدار القرون يفيض بعظات، ونقتبس منه نورا نهتدى به، يقوم لنا أى اعوجاج

إننا إذا ما نظرنا إلى الهجرة كدرس حياتى، وجدنا أن أبطاله كلهم قاموا بأدوار هامة وجذرية لا يمكن التغاضى عن إى منهم ، وإلا لما نجحت الرحلة

فنجاح المهمة لا يتم بشكل فردى، ولا يكون عن طريق استئثار قائدها بالأوامر ، ولا بعمل البعض وتكاسل الآخرين، بل بتكاتف الجميع، والتخطيط المحكم، وقيام كل شخص بدوره المنوط به على أكمل وجه
والرائع أن درس الهجرة احتوى على جميع النماذج التى يتكون منها المجتمع.. القائد، والخادم ،المسلم، وغير المسلم، الرجل، والمرأة، وجميعهم عناصر هامة تعمل معاً فى مجتمع واحد

وفى الهجرة نتأمل مواقف عدة، فنجد فى كل موقف درسا عظيما يقف عنده القارئ العادى الذى تسترعيه تلك المواقف إذا ما أسقطها على واقعنا اليوم، ودعونا نتأمل درس الهجرة ،ونضع لبعض المواقف عنوانا نتأمله ونقف عنده برهة بين الماضى والحاضر
حب الوطن
غادر الرسول صلوات الله وسلامه عليه مكة وهو ينظر إليها حزينا وهو يقول "والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
فجميعنا لم نخرج من أوطاننا رغبة فى ترف أوعدم انتماء للوطن ، ولا ضير أن ندعو الله أن يحبب إلينا ما نقطن فيه كما حبب إلينا أوطاننا كما قال الرسول " اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة"
أما اجترار الذكريات والحديث عن الغربة فلكل ذلك شجون وآلام لا يستوى معها الإنسان وتحرمه من السلام النفسى

نعم ..نحب وطننا ونخلص له..وندعو الله أن يحبب لنا ما رحلنا إليه.. فحب الوطن من الإيمان والوفاء له واجب، والحنين للعودة ليس مستهجنا
التضحية
إحداث التغيير لابد له من شجاعة ، ومن ثم تضحية، فليس هناك معركة بلا شهداء، ولاثورة بلا ضحايا، فالتغيير لا يتزعمه أبطال وقط ، بل التغيير يلزمه القائد والفدائى
وهذا علي بن أبي طالب" الشاب يتعرَّض للتضحية الكبرى، ويقدم علي الفدائية ، فينام في فراش الرسول ليلة الهجرة، وهو يعلم أن سيوف المشركين تستعد للانقضاض على النائم فوق هذا الفراش، ويظل علي في مكة بعد ذلك يؤدي الأمانات إلى أهلها، ثم يهاجر منفردًا في ثقة وإيمان ، فكان هذا مثالا للتضحية بالنفس
وللتضحية بالمال نتذكر صهيب بن سنان لما أراد الهجرة وأرادت قريش منعه، فما كان منه إلا أن ضحَّى بماله كله في سبيل هجرته إلى الله عز وجل.

صاحب السفر والغربة
إن للسفر رهبة وللغربة مرارة لا ننكرها والَفَطِن من لايزيد مراراته بأخرى فتصير علقما..فالصديق المخلص يخفف العلقم فيجعله شرابا سائغا
فالسفر يحتاج لمن يؤازك ، ويشدد على يدك، وقديما قالوا "اختار الرفيق قبل الطريق" فقد قال عليه الصلاة والسلام "مانفعنى مال أحد بماله مثلما نفعنى مال أبى بكر"
وفى ذلك درس حتى لا يشق علينا الطريق، وتزداد شقوته برفيق سىء

فرفيق الدرب يلطف، ورفيق الحياة يخفف، ورفيق الرحلة والسفر يكفكف

وقد كان أبى بكر خير رفيق للرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلة الهجرة، وقد اختاره الرسول ليكون له رفيقا ومعاونا فى رحلة مشقة وغربة
الكفاءة
ليس للمحاباة أو المجاملة مكانا فى عمل جاد؛ فالكفاءة والأمانة هما معيارا الاختيار، فقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط المشرك ،وهو الماهر بمسالك الطريق فكان لهما دليلا ،وهنا نتوقف أمام الانتقاء الجيد والتوظيف الأمثل لذوى الكفاءة دون النظر لتعصب قبلى أو دينى
دور المرأة
كان للمرأة دورا فى الهجرة وهو دورا لا يقل أهمية عن دور جميع أبطال الهجرة، فقد تولت المرأة المسلمة في تلك اللحظات العسيرة معاونة الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في مسيرتهما،
فهذه "عائشة" الصبيَّة تعد الطعام للمهاجرين العظيمين، كما تأخذ أسماء بنت أبي بكر مسيرتها إلى الغار فى غسق الليل، أو تباشير الفجر لا تبال بوحشة طريق، وبزاد أعدته لصاحب الرسالة وصاحبه فتشق نطاقها لتربط به الزاد والماء ،ويربط الله على قلبها، وتحتار قريش إلى أين اتجه محمد؟ ويذهب أبو جهل إلى دار أبي بكر ، وعندما تفتح أسماء الباب يضربها على وجهها فيشق أذنها ويسيل الدم،

لكن المؤمنة القوية الثابتة تقف في شجاعة وتقول ماذا تريد؟ فيقول: محمد.. وتصر على أنها لا تعلم أين محمد

بل ويظهر جلياً دور الثبات والثقة حين تخبر جدها لأبيها فى حكمة وفطنة بالمال الذى تركه أبو بكر وهو ليس إلا كومة من الحجارة يتحسسها الشيخ الكفيف.. فيطمئن قلبه
قد تكون المرأة طاهية طعام, ومربية أجيال , ولكنها صاحبة رسالة تؤديها فى إخلاص وإيمان بالله تعالى، وهنا لا نغفل دور المرأة فى أى موقع
الثقة
الثقة بالله تعالى حتى ولو بين الظالم قيد أنملة من المظلوم فحين وصل الكفار لغار ثور، وكانا الرسول وأبى بكر بداخله خشى ابو بكر أن يراهما الكفار وقال للرسول ولو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا فقال له الرسول بثقة يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا" فنصرهما الله لثقتهما فيه بأضعف جنده وهو العنكبوت

وحين أعلنت قريش عن جائزة لمن يعثر على محمد صلى الله عليه وسلم وصل سراقة فعلاً إلى حيث رأى الرسول فما كان من الرسول فى هذا الموقف حيث لا عدة ولا عتاد الا ثقته بالله تعالى، فدعا على سراقة، فغاصت قوائم فرسه في الأرض، ثم عفا عنه بعدما تعهد بعدم إخبار قريش بمكانهم ، وهنا كان للثقة فى نصر الله دورا ، واليقين بإجابة المضطر إذا دعاه
العدل
لا تستقيم الحياة دون العدل ولا يحق لنا تحت أى ظرف أو ضغط ألا نقيمه، والمثال بسيط للغاية فحين وصل الرسول للمدينة ،ودعاه الصحابة للمبيت عنده، فخشى الرسول أن يفضل أحدا على الآخر ، فتميل كفة العدل ولو ميلا طفيفا ، وكان هذا عدلا منه، وقد ترك ناقته ليقيم حيث تبرك فبركت في مكان يملكه غلامان من الأنصار، وقد أراد الغلامان أن يهبا أرضهما للرسول (ص) ،فرفض الرسول واشتراها منهما وكان فى ذلك تطبيقا لقيمة العدل التى يجب ألا نغفلها فى أى موقف
التخطيط
سبق كل هذه الوقفات حسن التخطيط فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التنظيم الدقيق للهجرة، رغم ما كان فيها من صعاب، فنجد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الانتقاء الجيد والتوظيف الأمثل لكل مَن عاونه في أمر الهجرة،فالتخطيط نوع من التوكل على الله، فهو امتثالا لأمره بإتقان العمل
فالقائد محمد، والمساعد أبو بكر، والفدائي عليٌّ بن أبى طالب ، ومسؤول المخابرات عبد الله بن أبى بكر، وتمويه العدو عامر بن فهيرة، ومرشد الرحلة عبد الله بن أريقط،، ومسؤول المؤن أسماء بن أبى بكر، والمكان المؤقت غار ثور، وموعد الانطلاق بعد ثلاثة أيام، وخط السير الطريق الساحلي.
وهذا كله دليل على حسن التخطيط ،وإتقان العمل، والحكمة والكياسة، والأخذ بالأسباب، والتوكل على الله مسبب هذه الأسباب
فقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يوظِّف كلَّ فرد في العمل المناسب له، والذي يجيد القيام به على أحسن وجه، مما جعل من هؤلاء الأفراد وحدة متكاتفة متعاونة لتحقيق الهدف


كل ما سبق من وقفات نتأملها ليست إلا غيض من فيض فى رحلة الهجرة العظيمة ، فالسيرة النبوية ليست "حدوتة قبل النوم" نسردها على أبنائنا أو نحتفل بها من خلال تناول حلوى ،أو مظاهر سطحية ، بل للعبرة والعظة، ولنسقط تاريخا جليلا حفره أبطالا بالأمس على واقع يحتاج لمن ينهض به اليوم

فلربما ننجح فى التغيير إذا ما صدقنا الوعد، وشددنا العزم، وأجدنا التخطيط ، وتوكلنا على العلى القدير

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م