منذ الانتخابات السابقة التى كانت بين أوباما وبوش والتى كان العرب يتابعون نتائجها بشغف أكثر من متابعتهم لنهائيات كأس الأمم الأفريقية، وربما نهائيات كأس العالم
وانتظر الجميع قدوم أوباما الأسمر ليقضى على العنصرية، وبجذوره المسلمة لينصر الإسلام، وربما ليحرر الأقصى الأسير
وكان الانتظار الأكبر لزيارة أوباما واعتبار ذلك فخرا للمصريين وللمسلمين وللعرب
فكلما نطق حرفاً عربيا هلل الجمع وكأنه انتصر للعربية ..وما كاد ينطق بتحية الإسلام حتى انتشوا وصفقوا
وكأن أوباما جاء ليعلمنا أن الإسلام حثّ على السلام...بل وكانت تحيته لنا بتحية الإسلام قد أضافت للإسلام
انتظر العرب والمسلمين فوز أوباما فى الفترة الأولى وتوهموا أنه سيكون الناصر صلاح الدين بالرغم من تأكيده لمصطلح المصلحة المشتركة
برغم أن الرجل صرح للإعلام أن ولاءه لأمريكا وللأمريكيين حين سُئِل عن ما سيفعله لجنوب أفريقيا وللمسلمين حيث أصوله
ولم يفعل أوباما شيئا ..بل على العكس..
ولكننا نحب ان نعيش الوهم وننتظر البطل، ونرفض الواقع وأن نصنع منه بطلا
وجاءت الانتخابات التالية...ومازلنا على نفس الشغف
وكأن العرب لم يستوعبوا أن هذه مجرد سياسات موضوعة فى درج مكتب البيت الأبيض ..ومن يأتى ينفذها فقط..
ودور الرئيس يقتصر على الأسلوب المناسب لتنفيذ السياسة الأمريكية والتى تمت صياغتها من قِبل المؤسسات الأمريكية
فتطبيق النظام الرأسمالى والهيمنة السياسية التى تمارسها أمريكا على دول العالم هى سياسة ينتهجها أى رئيس لها
عندما كان الاتحاد السوفيتى عدوا لأمريكا صنعوا له حرب أفغانستان
وعندما أصبح الإسلام عدو أمريكا الجديد صنعوا له مكافحة الإرهاب
وعندما طمعت أمريكا فى الموارد الطبيعية للشعوب صنعت حرب العراق وسيطرت على نصف بترول الخليج
فعلاقة أمريكا بالعالم كله تحكمها المصالح الأمريكية بصرف النظر عن الشخصية التى ستتولى الرئاسة
وفى هذه الانتخابات ثمة اختلاف بسيط بين الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى...
والاختلاف بين رومنى وأباوما لن يفرق مع العرب..
السياسات العامة واحدة...والسياسات الخارجية تتشابه إلى حدٍ كبير...والشعب الأمريكى يختار الأصلح له
وإسرائيل تتنظر من يأتى ليكون أكثر تدليلا لها
ونحن ننتظر اختيار الشعب الأمريكى لينصف العرب!!!!!
لا ضير فى أن نرقب هذه الانتخابات بعين المراقب الراصد للديمقراطية
نتعلم كيف يختار الشعب رئيسه..وكيف يعد الرئيس ويفى..وما الفرق بين فوزٍ للوطن وفوزٍ للشخص
استوقفتنى كثيرٌ من المشاهد فى هذه الانتخابات ...
ففوز أوباما فى الانتخابات السابقة كان يصب فى الحقوق المدنية للأمريكيين .. وفوزه فى هذه الانتخابات حمل فيها على عاتقه مشاكل أمريكا الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية
كما أن فوزه للمرة الثانية كان نتيجة تحقيقه لوعوده للشعب الأمريكى مثل القضاء على بن لادن..وجهوده فى إنقاذ شركة السيارات الأمريكية
بالرغم من سيطرة الجمهوريين على الكونجرس..أثبت أن الحزب الجمهورى بقوته عجز عن إنجاح رومنى بعدما ألحق به بوش عارا
فالأحزاب قد تعطى المرشحين ثقلاً ودعماً ، ولكنها لن تكسبهم ثقة ..فالثقة لا تُمنح إلا من الشعب.
كما أن ضغط اللوبى لم يسفر هذه المرة عن فوز رومنى ،مما يؤكد أن البعبع الذى صنعوه ونخشاه يمكن سحقه ..وإن كان الاثنان قد صرحا بأن القدس ستكون عاصمة لإسرائيل لكن كان فوز رومنى يعنى أكثر لدى إسرائيل
جاءت الانتخابات بعد إعصار ساندى، وبرغم الكارثة وتأثيرها على الأحوال لم تنهار الدولة ..ومن هنا كان الفرق بين دولة المؤسسات ودولة الرئيس
فى نهاية الانتخابات وبفوز أوباما كانت كلمة رومنى هى المشهد الأهم
لم تكن كلمة رومنى بعد الهزيمة مجرد خطابا وطنيا قط... بل كانت خطابا ذكيا يدعو لالتفاف الجميع حول الرئيس الفائز من أجل الوطن
فقد دعا إلى مرحلة وسط بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى من أجل أمريكا حيث إنها تواجه تحديات كبرى، ولا تتحمل أى انشقاق
رشح رومنى نفسه لأيمانه بأمريكا وبشعبها، ولأنه مهتم بها..ولكن حين يختار الشعب القائد فليباركه الرب
هكذا قال رومنى ...ودعا لمنافسه أوباما
لم يقل رومنى أنه الرئيس القادم لأمريكا..
أو أن الانتخابات زُورت ...
أو أن هناك عدم شفافية
أو...أو..
لأنه فعلا قد ترشح من أجل أمريكا التى هو وطنه وليس من أجل الكرسى
لأنه اقتنع بأن أوباما هو اختيار الشعب، وعليه احترام إرادة الشعب، وهذه هى الديمقراطية التى لا يعرفها أغلب مرشحي الرئاسة الخاسرين عندنا ومناصريهم
لأن هذه المقولة لا تعبر إلا عن عشقٍ للكرسى ..
فمن عشق الوطن فليفعل من أجله وهو جالس على أى كرسى..
ومن عشق الكرسى فليفعل القلاقل وليشتت الوطن من أجل الكرسى